التمتع لما وصفه، ووصفه بصورة القران لأنهم اتفقوا على أنه لم يحل من عمرته حتى أتم عمل جميع الحج، وهذه إحدى صور القرآن.
وأيضًا فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابيًا بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك، والمصير إلى أنه كان قارنًا، ومقتضى ذلك أن يكون القِران أفضل من الإِفراد والتمتع، وقد مرَّ من قال بذلك قريبًا، وقال: من رجح القران أيضًا: هو أشق من التمتع، وعمرته مجزئة بلا خلاف، فيكون أفضل منهما، وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة سواء في الفضل، وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه. وعن أبي يوسف: القران والتمتع في الفضل سواء، وهما أفضل من الإِفراد، وعن أحمد: من ساق الهدي فالقِران أفضل له ليوافق فعل النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه، وأمر به أصحابه، زاد بعض أتباعه: ومن أراد أن ينشىء لعمرته من بلده سفرًا، فالإِفراد أفضل له، قال: وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، فمن قال: الإِفراد أفضل فعلى هذا يتنزل لأن إعمال مفردين للنسك أكثر مشقة، فيكون أعظم أجرًا، ولتجزىء عنه عمرته من غير نقص ولا اختلاف.
ومن العلماء من جمع بين الأحاديث على نمط آخر مع موافقته على أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا كالطحاوي وابن حبان وغيرهما، فقيل: أهلّ أولًا بعمرة، ثم لم يتحلل منها إلى أن أدخل عليها الحج يوم التروية، ومستند هذا القائل حديث ابن عمر الآتي في أبواب الهدي بلفظ: فبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج، وهذا لا ينافي إنكار ابن عمر على أنس كونه نقل أنه -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالحج والعمرة كما سيأتي في حجة الوداع من المغازي لاحتمال أن يكون محل إنكاره كونه نقل أنه أهلَّ بهما معًا، والمعروف عنه أنه أدخل أحد النسكين على الآخر، لكن جزمه بأنه عليه الصلاة والسلام بدأ بالعمرة مخالف لما عليه أكثر الأحاديث فهو مرجوح، وقيل: أهل أولًا بالحج مفردًا، ثم استمر على ذلك إلى أن أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة، وفسخ معهم، ومنعه من التحلل من عمرته المذكورة ما ذكره من سوق الهدي، فاستمر معتمرًا إلي أن أدخل عليها الحج حتى تحلل منها جميعًا، وهذا يستلزم أنه أحرم بالحج أولًا وآخرًا، وهو محتمل، لكن الجمع الأول أولى، وقيل إنه-صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالحج مفردًا، واستمر عليه إلى أن تحلل منه بمنى، ولم يعتمر في تلك السنة، وهو مقتضى من رجح أنه كان مفردًا، والذي يظهر أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهلَّ بهما جميعًا في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهلَّ بالحج مفردًا، ثم