حديث، وقال صالح جزرة: ذكر لي أن يحيى بن معين خلّف من الكتب لما مات ثلاثين قمطرًا، وعشرين جبًا، وقال صالح بن محمد: خلَّف يحيى من الكتب مائة قمطر، وأربعة عشر قمطر، وأربع جِباب شبرانية مملوءة كتبًا، والسفط محركة كالجوالق أو كالقفة والقمطر كسجل ما تصان به الكتب، والجب بالضم المزادة يخاط بعضها ببعض.
وقال مجاهد بن موسى: كان ابن معين يكتب الحديث نيفاً وخمسين مرة، وقال: لو لم نكتب الحديث خمسين مرة ما عرفناه، وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وقال ابن سعد: كان قد أكثر من كتابة الحديث، وعرف به، وكان لا يكاد يحدّث، وقال الخطيب: كان إمامًا ربانيًا عالمًا حافظًا ثبتًا متقنًا، وقال ابن حبان في "الثقات": أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل، وممن رفض الدنيا في جمع السنن, وكثرت عنايته بها وجمعها وحفظها حتى صار عَلَمًا يقتدى به في الأخبار، وإمامًا يرجع إليه في الآثار، وقال العجلي: ما خلق الله تعالى أحدًا كان أعرف بالحديث من يحيى بن معين، ولقد كان يجتمع مع أحمد وابن المديني ونظرائهم، فكان هو الذي ينتخب لهم الأحاديث لا يتقدمه منهم أحد، ولقد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وتلبست، فيقول: هذا الحديث كذا وهذا كذا، فيكون كما قال.
وقال الدوري: سمعته يقول: القرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق، وسمعته يقول: الإيمان يزيد وينقص، وهو قول وعمل. وقال ابن المديني: دار حديث الثقات على ستة، ثم قال: ما شذّ عن هؤلاء يصير إلى اثني عشر، ثم صار حديث هؤلاء كلهم إلى ابن معين.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: انتهى العلم إلى أربعة: أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، وعلي ابن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين أكتبهم له، وفي رواية عنه: أعلمهم بصحيحه وسقيمه ابن معين، وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بعلل الحديث ابن المديني، وبفقهه أحمد بن حنبل، وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين، وفي رواية عنه: يحيى أعلم بالرجال والكنى وقيل لأبي داود: أيما أعلم بالرجال عليّ أو يحيى؟ قال: عليّ عالم بالرجال، وليس عند عليّ من خبر أهل الشام شيء، وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عليًا يقول: كنت إِذا قدمت إلى بغداد منذ أربعين سنة كان الذي يذاكرني أحمده بن حنبل، فربما اختلفنا في الشيء، فنسأل يحيى بن معين، فيقوم فيخرجه ما كان أعرفه بموضع حديثه، وقال ابن المديني أيضًا: ما رأيت يحيى بن معين استفهم حديثاً ولا ردّه.