وقوله:"هما المرآن" تثنية مرء بفتح الميم، ويجوز ضمها، والراء سكنة على كل حال بعدها همزة، أي: الرجلان.
وقوله:"أقتدي بهما" في رواية عمر بن شبة تكرير قوله: "المرآن أقتدي بهما"، وفي رواية ابن مهدي في "الاعتصام": "يقتدى بهما" على البناء للمجهول، وعند الإسماعيلي والمحاربي: فقام كما هو وخرج ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأُبّي بن كعب، أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة، عن الحسين أن عمر أراد أن يخرج كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله، فقال له أبي بن كعب: قد سبقك صاحباك، فلو كان فضلاً لفعلاه، لفظ عمر بن شبة، ولفظ عبد الرزاق: فقال أبيّ بن كعب: والله ما ذاك لك، قال: ولم؟ قال: أقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن بطال: أراد عمر إنفاقه في منافع المسلمين لكثرته، ثم لما ذكر بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك -والله تعالى أعلم- لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإِسلام وترهيب العدو، أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث لاحتمال أن يكون تركه عليه الصلاة والسلام لذلك رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم في بناء الكعبة: لأنفقت كنز الكعبة، ولفظه:"لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض"، الحديث، وهذا التعليل هو المعتمد.
وحكى الفاكهاني في "كتاب مكة" أنه عليه الصلاة والسلام وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، فقيل: لو استعنت بها على حربك فلم يحركه، وعلى هذا فإنفاته جائز كما لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع، ولولا قوله في الحديث:"في سبيل الله" لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس، ويمكن أن يحمل قوله:"في سبيل الله" على ذلك؛ لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله، واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة، ومسجد المدينة، فقال: هذا الحديث عمدة في مال الكعبة، وهو ما يهدى إليها، أو ينذر لها، قال: وأما قول الرافعي: لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة، ولا تعليق قناديلها فيها، حكى الوجهين في ذلك: أحدهما الجواز تعظيمًا كما في المصحف، والآخر: المنع إذ لم ينقل من فعل السلف، فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل سترها بالحرير والديباج، وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف من تمسك للجواز بما وقع