في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي، قال: ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته، ثم استدل للجواز بأن استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما، قال: وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك، وقد قال الغزالي: من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن؛ فإنه لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب، وهذا بخلافه، فيبقى على أصل الحل ما لم ينته إلى الإسراف، وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام عليه الإجماع.
وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدى به، والوليد لا حجة في فعله، وترك عمر بن عبد العزيز النكير أو الإزالة يحتمل عدة معاني، فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفًا من سطوة الوليد، ولعله لم يزلها؛ لأنها لا يتحصل منها شيء، ولاسيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح، فلعله رأى أن تركها أولى لأنها لا يتحصل منها شيء، ولاسيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح، فلعله رأى أن تركها أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره، وربما أدى قلعه إلى إزعاج بناء الكعبة فتركه، ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز، قاله في "الفتح".
قلت: الوليد لم يذكر عنه تحلية الكعبة وإنما ذكر عنه تحلية سقوف المسجد النبوي فتأمل.
وقوله:"إن الحرام من الذهب" إنما هو استعماله في الأكل والشرب، الخ، هو متعقب بأن استعمال كل شيء بحسبه، واستعمال قناديل الذهب للزينة، وأما استعمالها للايقاد فممكن على بعد، وتمسكه بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما لم ينته إلى الإسراف، والقنديل الواحد من الذهب يكفي تحلية عدة مصاحف، وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع يكون ذلك لم ينقل عن السلف، وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضمومًا إلى شيء آخر، وهو أنه قد صح النهي عن استعمال الحرير والذهب، فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب مع عنايتهم بها وتعظيمها، دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي، وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب والقناديل من الأواني بلا شك، واستعمال كل شيء بحسبه، وقد قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب لكسوة الكعبة ذكر يعني، فلا يطابق الترجمة، وقال ابن بطال: معنى الترجمة صحيح ووجهها أنه معلوم أن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة بالذهب وغيره، كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها، فأراد البخاري أن عمر لما رأى