وقال ابن حِبّان في "الثقات": كان من سادات التابعين فقهًا ودينًا وورعًا وعبادةً وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعْبَر الناس للرؤيا، ما نُودي بالصلاة من أربعين سنة إلا وسعيد بالمسجد، فلما بايع عبد الملك للوليد وسُليمان وأبَى سعيدٌ ذلك، ضربه هشام بن إسماعيل المَخْزومي ثلاثين سوطًا، وألبسه ثيابًا من شَعْر، وأمر به فطيف به، وسجن بأمر عبد الملك بن مروان لما كُتب له أن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان إلا ابن المسيِّب، فكتب إليه أن اعرضه على السَّيْف، فإن مضى فاجلِده خمسين جلدةً، وطُف به أسواق المدينة، فلما قدم الكتاب على الوالي دخل سليمان بن يَسار وعُروة بن الزُّبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المُسيِّب، وقالوا له: جئناك في أمر، قد قدم كتاب من أمير المؤمنين إن لم تُبايع ضُرِبت عُنُقُك ونحن نعرض عليك خصالًا ثلاثًا، فأعطنا واحدة منهن، فإن الوالي قد قبل أن يقرأ عليك الكتاب، فلا تقل لا ولا نعم، قال: يقول الناس: بايع سعيد ابن المُسيِّب، ما أنا بفاعل، وكان إذا قال لا، لم يستطيعوا أن يقولوا نعم. قالوا: فتجلس في بيتك ولا تخرُجُ إلى الصلاة أيامًا، فإنه يقبل منك إذا طلبك من مجلِسِك فلم يجِدْك. قال: فأنا أسمع الأذان فوق أُذُني "حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح"، ما أنا بفاعل. قالوا: فانتَقل من مجلِسِك إلى غيره فإنه يرسل من مجلسك، فإن لم يَجِدْك أمْسَكَ عنك. قال أفرقًا من مخلوقٍ؟ ما أنا بمتقدم شبرًا ولا متأخرٍ، فخرجوا وخرج إلى صلاة الظهر، فجلس في مجلسه الذي كان يجلس فيه، فلما صلى الوالي بعث إليه، فأتي به، فقال: إن أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تُبايع ضَرَبنا عُنُقَكَ قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين. فلما رآه لم يُجب أُخْرِجَ إلى السُّدّة، فَمُدَّت عنقه، وسُلَّت السيوف، فلما رآه قد مضى أمر به، فجُرّد، فإذا عليه ثياب شعر، فقال: لو علمت بهذا ما اشتهرت بهذا الشأن، فضربه خمسين سوطًا، ثم طاف به أسواق المدينة، فلما ردوه والناس منصرفون من صلاة العصر، قال: إنَّ هذه لَوجوهٌ ما نظرت إليها منذ أربعين سنة،