ومنعوا الناس من مجالسته، وكان من ورعه إذا جاء إليه أحد يقول: قُم من عندي كراهيةَ أن يُضرب بسببه.
وقال مالك - رضي الله عنه - بلغني أن سعيد بن المُسيِّب كان يلزم مكانًا من المسجد لا يصلي ذهب غيره من المسجد، وأنه لياليَ صنع به عبد الملك ما صنع، قيل له أن يَترُكَ الصلاة فيه، فأبى إلا أن يصلي فيه، وكان يقول: ما أعزت العباد نفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت نفسها بمثل معصية الله، وكان قد حَجّ أربعين حجة لا يأخذ العطاء، وكان له بضاعة أربع مئة دينار يَتَّجِرُ بها في الزيت، ودعي إلى نَيِّفٍ وثلاثين ألفًا ليأخذها، فقال: لا حاجة لي فيها، ولا في بني مروان حتى ألقى الله تعالى فيحكم بيني وبينهم.
وقيل له وقد نزل الماء في عينيه: ألا تقدح عينيك؟ قال: فيم أفتحها؟ وكان يقول: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار قلوبكم، لكي لا تحبطَ أعمالكم.
وكان جابر بن الأسود على المدينة، فدعا سعيدًا إلى البيعة لابن الزُّبير، فأبى، فضربه ستين سوطًا، وطاف به المدينة.
وخطب عنده عبد الملك ابنته لابنه الوليد حين ولاه العهد، فأبى أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه في يوم باردٍ وصبَّ عليه الماء، وكان أبو وداعة يجالس سعيد بن المسيِّب ففقده أيامًا، قال: فلما جئته، قال: أين كنت؟ قلت: توفيت زوجة لي فاشتغلت بها.
فقال: ألا ما أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: ثم أردت أن أقوم، فقال: هل تزوجت امرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: إن أنا فعلت تفعل؟ قلت: نعم. ثم حمد الله، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزوجني على دِرهمين أو قال: ثلاثة. قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح والسرور، فسرت إلى منزلي، وجعلت أتفكر ممن آخذ، وصليت المغرب، وكنت صائمًا فقدمت عشاي لأفطر، وكان