للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة"، الخ، الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك، ومحصل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة بنفي الإثم عن الفاعل، والمباح يحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلوا ذلك في الجاهلية أن لا يستمر في الإِسلام، فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم.

وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجبًا، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفيه عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك، وقد جاء في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة: أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك، حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر وغيرهم عن أُبي بن كعب وابن مسعود، وابن عباس، وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة، ولا زائدة، وكذا قال الطحاوي، وقال غيره: لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور، وقال الطحاوي أيضًا: لا حجة لمن قال: إن السعي مستحب بقوله: "فمن تطوع خيرًا" لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع.

وقوله: "يهلون لمناة"، أي: يحجون لها، ومَناة بفتح الميم والنون الخفيفة: صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل، وكانوا يعبدونها، والطاغية صفة لها إسلامية.

وقوله: "بالمُشَلل" بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على قديد، زاد سفيان عن الزهري: بالمشلل من قديد أخرجه مسلم، وأصله للمصنف كما يأتي في تفسير: والنجم، وله في تفسير: البقرة عن عروة، قال: قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث، وفيه: كانوا يهدون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، أي: مقابله، وقديد بالتصغير قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه.

وقوله: "إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة" ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، ويقتصرون على الطواف بمناة، فسألوا عن حكم الإِسلام في

<<  <  ج: ص:  >  >>