للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقشع الغيمُ، وقَشَعَتْه الريح، وفي هذا اللفظ كناية، فإن الكَبَّ في النار لازم الكفر، فأُطلق اللازم واريد الملزوم الذي هو الكفر.

ومحصل القصة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يُوسع العطاء لمَن أظهر الإِسلام تألفًا، فلما أعطى الرّهْط وهم من المُؤلَّفَة، وترك جُعَيْلًا وهو من المهاجرين، مع أن الجميع سألوه، خاطبه سعد في أمره لأنه كان يرى أن جعيلًا أحق منهم لما اختبره منه دونهم، ولهذا راجع أكثر من مرة، فأرشده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أمرين: أحدهما: إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جُعَيل، مع كونه أحب إليه ممن أعطى، لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يُؤمن ارتداده فيكون من أهل النار. ثانيهما: إِرشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر، فَوَضحَ بهذا فائدة رَدِّ الرسول عليه الصلاة والسلام على سعد، وأنه لا يستلزم محض الإِنكار عليه، بل كان أحد الجوابين على طريق المشورة بالأوْلى أي: الإشارة، والآخر على طريق الاعتذار.

فإن قيل: كيف لم تُقْبل شهادة سعد لجُعيل بالإِيمان، ولو شَهِد له بالعدالة لقُبل منه وهي تستلزم الإِيمان؟ فالجواب أن كلام سعد لم يَخْرُج مخرج الشهادة، وإنما خرج مخرج المدح له، والتوسل في الطلب لأجله، فلهذا نوقِشَ في لفظه، حتى ولو كان بلفظ الشهادة لما استلزمت المشورة عليه بالأمر الأوْلى رد شهادته، بل السياق يرشِدُ إلى أنه قَبِل قوله فيه، بدليل أنه اعتذر إليه، ويأتي في تعريفه قريبًا حديث أبي ذَرٍّ المصرح فيه بفضله.

وفي حديث الباب من الفوائد التفرقة بين حقيقتي الإِيمان والإِسلام، وترك القطع بالإِيمان الكامل لمن لم يُنَصَّ عليه، وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحًا، وإن تعرض له بعض الشارحين، نعم هو كذلك فيمن لم يَثْبُت فيه النص كالعشرة، وفيه الرد على غُلاة المرجئة في اكتفائهم في الإِيمان بِنُطْق اللسان، وفيه جواز تصرف الإِمام في مال

<<  <  ج: ص:  >  >>