للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفاعل كما لم ينطقوا بأظَنَنت التي أُريتَ بمعناها، وأصل أُرى يريني الله، فعُمِل فيه العمل المشهور من ضم أوله وفتح ما قبل آخره وحذف الفاعل، وزيد على ذلك هنا إبدال الياء همزة للاحتياج إلى ذلك، لأنه لما حذف الفاعل وأنيب المفعول به لزم إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم، ولا يسند له إلا المبدوء بالهمزة، فحذفت الياء، وأُتي بالهمزة عوضَها.

وقوله: "فقال: أو مسلمًا" أي: بسكون الواو فقط، فقيل: هي للتنويع، وقيل: للتشريك، وإنه أمره أن يقولهما معًا لأنه أحوط، ويَرُدُّ هَذا رواية ابن الأعْرابي في "معجمه" في هذا الحديث فقال: "لا تَقُل: مؤمنٌ بل مسلمٌ" فوضح أنها للإِضراب، وليس معناه إنكار أن الرجل مؤمنٌ، بل معناه النهي عن القطع بإيمان من لم يُخْتَبَر حاله الخبرة الباطنة، لأن الباطن لا يَطَّلع عليه إلا الله، فالأولى التعبير بالإِسلام الظاهر، بل في الحديث إشارة إلى إيمان المذكور، وهي قوله: "لأعطي الرجل وغيرُهُ أحبَّ إليّ منه" وقوله: "ثمَّ غلبني ما أعلم منه، فعُدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وليس في رواية الكُشْمِيهَنِيّ إعادة السؤال ثانيًا، ولا الجواب عنه.

وقوله: "إني لأُعطي الرجل وغيرُهُ أحب إلي منه" أي: أعجب إليّ منه، وهو جملة حالية "خشية أن يَكُبَّه الله في النار" لكفره إما بارتداده إن لم يُعْطَ، أو لكونه يَنْسُبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى البخل، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إليّ فأكلُهُ إلى إيمانه، ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه، ولا سوءًا في اعتقاده.

وقوله: "يَكُبّه الله" هو بفتح أوله وضم الكاف، يقال: أكَبَّ الرجل إذا أطرق، وكَبَّه غيره إذا قلبه، وهذا على خلاف القياس، لأن الفعل اللازم يتعدى بالهمزة، وهذا زيدت فيه الهمزة فَقَصُر، وجاء نظير هذا في أحرف يسيرة منها: أنْسَلَ ريشُ الطائر ونَسَلْتُه، وأنْزفَتِ البئرُ ونَزَفتها، وأمْرَت الناقةُ: درت، ومَرَيْتُها، وأشْبق البعير: رفع رأسه، وشَبَقته،

<<  <  ج: ص:  >  >>