هذه المسألة، فكان بعضهم يقول: من مرَّ بمزدلفة، فلم ينزل بها، فعليه دم، ومن نزل بها ثم دفع منها في أي وقت كان من الليل، فلا دم عليه، ولو لم يقف مع الإِمام، وبهذا قال مالك كما مرَّ، وقال مجاهد وقتادة والزهري والثوري: من لم يقف بها فقد ضيع نسكًا وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء، وبه قال الأوزاعي: لا دم عليه مطلقًا، وإنما هو منزل من شاء نزله، ومن شاء لم ينزل به، وروى الطبري بسند فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: إنما جمع منزل لدلج المسلمين، وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة والنخعي.
والعجب بأن الله لم يذكر الوقوف وإنما ذكر الذكر، فقال:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج، فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن يكون فرضًا، قال: وما احتجوا به من حديث عروة بن مضرس باسم الفاعل رفعه، قال: من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه، فلا حجة فيه لإجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة ولم يصلها مع الإِمام حتى فاتته، أي: حجه تام.
وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان والحاكم والدارقطني، ولفظ أبي داود عنه: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالموقف، يعني: بجمع، قلت: يا رسول الله جئت من جبل طيىء فأكللتُ مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه"، وللنسائي: من أدرك جمعًا مع الإِمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الإِمام والناس فلم يدرك"، ولأبي يعلى: "ومن لم يدرك جمعًا فلا حج له".
وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءًا في إنكار هذه الزيادة، وبيَّن أنها من رواية مطرف عن الشعبي، عن عروة، وأن مطرفًا كان يهم في المتون، وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح أن الحج يفوته التزامًا لما ألزمه به الطحاوي، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه فحكى الإجماع على الإجزاء، كما حكاه الطحاوي.