وهو الذي فتح مدائن كسرى في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفتح القادسية وغيرها، وهو الذي تولى قتال فارس ففتح الله على يديه أكثر فارس، وهو الذي بني الكوفة، وولاه عمر العراق، وأرسل إليه وهو أمير العراق أن قاتل الفرس، فمضى إليهم، وحالت بينهما دِجلة وهي كالبحر لا تُعْبر إلا بالسفن، فقال للجند الذين معه: ماذا تَرَوْن؟ فقالوا له: ما تأمر، عزم الله لنا ولك الرشد، فلما سمع كلامهم اقتحم الوادي بفرسه، وتبعه المسلمون، فقطعوا دِجلة خيلًا ورجالًا ودَوابٌ حتى لا يُرى وجه الماء من الشاطىء إلى الشاطىء، وسعد يقول في أثناء القطع: حسبُنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليّه -يعني عمر- وليظهرن الله دينه، وليهزمن عدوه إن لم يكن في الجيش ذنوب، وكان الفارس إذا أحسّ بالإِعياء أبان الله له رابيةً في جَوْف الماء يقف عليها حتى يرجع إليه نشاطُهُ ثم يقوم براكبه، وخرجت تلك الخيل تَنْفُضُ أعرافها، وجميع الخلق والدواب سالمة، ولم يَضِع لأحد شيء إلا رجل سقط له قَدَح، فعيَّرَه صاحبه، فقال له: أصابَهُ القدر فطاح. وقال: ما كان الله لِيَسْلُبني قدحي من بين العسكر، فضربته الريح والأمواج حتى أخرجته إلى الشاطىء، فقال للذي عَيّره: ألم أقل لك ما كان الله لِيَسْلبني قدحي من دون غيري؟ وكان ذلك لما في الكتب القديمة من أن هذه الأمة تخوض البحر إلى أعدائها.
وفي "تاريخ" أبي العباس السَّرّاج أن جرير بن عبد الله مرّ بعُمر، فسأله عن سعد بن أبي وقاص، فقال: تركته في ولايته أكرمَ الناس وأقلّهم قسوة، هو لهم كالأم البَرّة، يجمع لهم كما تجمع ذَرّة، أشدّ الناس عند الباس، وأحبّ قريش إلى الناس.
وكان مجاب الدعوة، مشهورًا بذلك، تُخاف دعوته لاشتهار إجابتها عندهم، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"اللهُمَّ سدَّد سهمه، وأجِب دعوته" ومما شوهد من إجابة دعوته، هو أن أهل الكوفة شَكَوْه إلى عُمَر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى قالوا: إنه لا يُحسن الصلاة، فقال - رضي