كل رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد، فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد، ولفظ: كل مفرد مذكر، ومعناه بحسب ما يضاف إليه، فإن أضيف إلى معرفة، فقال ابن هشام: يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها نحو: كلهم قائم أو قائمون، وقد اجتمعا في قوله تعالى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} الآية، ومن ذلك {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وفي الآية حذف مضاف، وإضمار لما دل عليه المعنى لا اللفظ، أي: إن كل أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسئولًا عنه، وقد وقع في البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة في باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كل أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" فقد أعاد الضمير من خبر كل المضاف إلى معرفة غير مفرد، وهذا الحديث فيه الأمران، ولا يتأتى فيه ما ذكره عن الآية، وذلك لأنه قال:"كلهن فاسق" بالإفراد، ثم قال:"يقتلن" قال النووي وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغةً الخروج، ومنه: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي خرج، وسمي الرجل فاسقًا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص، وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق -يعني بالمعنى الشرعي- وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل: في حل أكله لقوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد، وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل إلاَّ ما نهي عن قتله، وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد، وفي حديث أبي سعيد عند ابن ماجه قيل له: لم قيل للفأرة: فويسقة، فقال: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت، فهذا يومىء إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق، وهو يرجح القول الأخير.
وقوله:"يقتلن في الحرم" تقدم في رواية نافع بلفظ: ليس على المحرم في قتلهن جناح، وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم وقد يؤخذ منه جواز ذلك للحلال، وفي الحل من باب الأولى، وقد وقع ذكر الحل صريحًا عند مسلم عن عروة بلفظ: يقتلن في الحل والحرم، ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع، وهو الإحرام فهو بالجواز أولى، ثم إنه ليس في نفي الجناح، وكذا الحرج في طريق سالم دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ: أمر، وكذا في طريق معمر،