ولأبي عوانة عن عروة بلفظ: ليقتل المحرم، وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، وروى البزار عن أبي رافع قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاته إذ ضرب شيئًا، فإذا هي عقرب فقتلها، وأمر بقتل العقرب، والحية والفأرة والحدأة للمحرم، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهي المحرم عن القتل، فلا يكون للوجوب والندب، بل يكون للإباحة كما هي القاعدة، ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ: أَذِنَ أخرجه مسلم والنسائي، لكن لم يسق مسلم لفظه وعن أبي هريرة عند أبي داود وغيره: خمس قتلهن حلال للمحرم.
وقوله:"الغراب" زاد في رواية سعيد بن المسيب، عن عائشة عند مسلم: الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره، وصرح ابن خزيمة باختياره، وهو قضية حمل المطلق على المقيد، وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس، وقد شذَّ، وقال ابن عبد البر: لا تثبت هذه الزائدة، وقال ابن قدامة: الروايات المطلقة أصح، وفي جميع هذا التعليل نظر، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلَّا ما هو مسموع لهم، وهذا من رواية شعبة، بل صرَّح النسائي في روايته عن النضر بن شميل، عن شعبة بسماع قتادة، وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم، وأما الترجيح فليس على شرط قبول الزيادة، بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ -وهو كذلك هنا- نعم قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء، وتحريم الأكل، وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملتحقًا بالأبقع، ومنها: الغداف على الصحيح في الروضة، بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف: غراب البين والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل: سمي غراب البين لأنه بأن عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به، فكانوا إذا نعب مرتين قالوا: آذن بشر، وإذا نعب ثلاثًا قالوا: آذن بخير، فأبطل الإِسلام ذلك، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال: اللهم لا طير إلاَّ طيرك، ولا خير إلاَّ خيرك، لا إله غيرك، وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الأبقع والغداف؛ لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وكذا اسثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافًا، وعليه يحمل ما جاء عن أبي سعيد عند أبي داود -إن صح- حيث قال فيه: ويرمي الغراب ولا يقتله، وروى ابن المنذر نحوه عن علي ومجاهد، قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإِحرام، إلاَّ ما جاء عن عطاء قال: في مُحْرمٍ كسرَ قرن غراب فقال: إن أدماه فعليه الجزاء، وقال الخطابي: لم يتابع أحد عطاء على هذا، ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع، وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة، هل يتقيد جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى؟ وهل