للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النزع، وسياق هذا الحديث يدفع هذا الاحتمال، وتمسك بعضهم بأنها واقعة عين، ولا عموم لها وتعقب بأن البخاري أخبرني في الإجارة عقب حديث يعلى هذا عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقضى فيه بمثله، وما تقدم من التقييد ليس في الحديث وإنما أخذ من القواعد الكلية وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم فإن النص إنما ورد في صورة مخصوصة، نبه على ذلك ابن دقيق العيد، وقد قال يحيى بن عمر: لو بلغ مالكًا هذا الحديث لما خالفه، وكذا قال ابن بطال: لم يقع هذا الحديث لمالك وإلا لما خالفه.

وقال الداودي: لم يروه مالك لأنه من رواية أهل العراق، وقال أبو عبد الملك: كأنه لم يصح عنده الحديث لأنه أتى من قبل المشرق قال: في الفتح وهذا مسلم في حديث عمران، وأما طريق يعلى فرواها أهل الحجاز وحملها عنهم أهل العراق واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان، ونقل القرطبي عن بعض أصحابهم إسقاط الضمان، قال: وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك وتعقب بأن المعروف عن الشافعي أنه لا ضمان، وكأنه انعكس على القرطبي ولم يتكلم النووي على ما في رواية محمد بن سيرين الماضية عن عمران فإن مقتضاها إجراء القصاص في القصة، وقد يقال: إن العض هنا إنما أذن فيه في هذه الرواية للتوصل إلى القصاص في قلع السنن، لكن الجواب السديد في هذا أنه استفهمه استفهام إنكار لا تقرير شرع هذا هو الذي يظهر، وفي هذه القصة من الفوائد التحذير من الغضب، وأن من وقع له ينبغي أن يكظمه ما استطاع لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان لأن يعلى غضب من أجيره فضربه فدفع الأجير عن نفسه فعضه يعلى فنزع الأجير يده، فسقطت ثنية العاض ولولا الاسترسال مع الغضب لسلم من ذلك، وفيه استئجار الحر للخدمة، وكفاية مؤنة العمل في الغزو، لا ليقاتل عنه وفيه رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل، وأن المرء لا يقتص لنفسه، وأن المتعدي بالجناية يسقط ما ثبت له قبلها من جناية إذا ترتبت الثانية على الأولى، وفيه جواز تشبيه فعل الآدمي بفعل البهيمة إذا وقع في مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل، وقد حكى الكرماني: أنه رأى من ضعف. قوله: "كما يقضم الفجل" بالجيم بدل الحاء المهملة، وحمله على البقل المعروف، وهو تصحيف قبيح، وفيه دفع الصائل، وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه أو على بعض أعضائه ففعل به ذلك كان هدرًا، وللعلماء في ذلك اختلاف وتفصيل معروف، وفيه أن من وقع له أمر يأنفه أو يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه كنى عن نفسه، بأن يقول فعل رجل أو إنسان أو نحو ذلك كذا وكذا، كما وقع ليعلى في هذه القصة، وكما مرَّ عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>