جاهلية مبتدأ قُدِّم خبره، أي: فيك خصلة من خصال الجاهلية، ولعل هذا كان من أبي ذرٍّ قبل أن يعرف تحريمه، فكانت تلك الخصلة من خِصال الجاهلية باقية فيه، فلهذا قال كما عند المصنف في الأدب:"قلت: على ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: نعم" كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه مع كبر سنه، فبين له كون هذه الخصلة مذمومة شرعًا، وكان بعد ذلك يساوي غلامه في الملبوس وغيره أخذًا بالأحوط، وإن كان لفظ الحديث يقتضي اشتراط المواساة لا المساواة.
وقد جاء في سبب إلباس أبي ذَرٍّ غلامه مثل لبسه أثر مرفوع أصرح من هذا وأخص، أخرجه الطبراني عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا ذرٍّ غلامًا، فقال:"أطعمه مما تأكل وألبسه مما تلبس"، وكان لأبي ذر ثوب، فشقه نصفين، فأعطى الغلام نصفه، فرآه النبي- صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: قلت يا رسول الله: "أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون" قال: "نعم" وفي السياق دِلالة على جواز تعدية عيرته بالباء، وأنكره ابن قُتيبة قائلًا: إنما يُقال: عيرتُهُ أُمَّه، وتبعه بعضهم، وقال آخرون: إنها لغة، وكفى بالحديث دليلًا. وقول الشاعر:
أيُّها الشّامتُ المعَيرِّ بالدّهرِ
والرجل الذي عيره هو بلالٌ المؤذن مولى أبي بكر الصديق، روى ذلك الوليد بن مُسلم منقطعًا.
وروى البرماذي أنه لما شكاه بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال له:"شتمتَ بلالًا وعيرتَه بسواد أمه؟ " قال: نعم. قال:"حَسبتُ أنه بقي فيك شيءٌ من كِبْرِ الجاهلية" فألقى أبو ذرٍّ خده على الأرض، ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلالٌ خدي بقدمه. زاد ابن المُلَقِّن: فوطِىء خده.
ويأتي تعريف بلال في التاسع والثلاثين من الإِيمان حيث ذُكر هناك.
وقوله:"إخوانكم" يعني من جهة أن الكل أولاد آدم، فهو على سبيل