للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لم يختلف على ابن عباس فيه، وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال: إذا لم نجد زوجًا أو محرمًا لا يجب عليها الحج، هذا هو المشهور عنه، وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة، قالوا: وهو مخصوص بالإجماع، قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج، أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت، وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة، فوجدها رجل مأمون، فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة، قالوا: وإذا كان عمومه مخصوصًا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة، وأجاب صاحب المغني بأنه سفر الضرورة، فلا يقاس عليه حالة الاختيار، ولأنها تدفع ضررًا متيقنًا بتحمل ضرر متوهم، ولا كذلك السفر للحج، وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ: "لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم" فنص في نفس الحديث على منع الحج، فكيف يخص من بقية الأسفار؟ وقد مرَّ عند حديث ابن عمر في السفر تفصيل مذهب مالك والشافعي في سفر المرأة إلى الحج، وقد مرَّ هناك عن الشافعية أن السفر الواجب من الحج والعمرة يجوز للمرأة أن تسافر إليه وحدها، إذا كان الطريق آمنًا، وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها، واستحسنه الروياني قال: إلا أنه خلاف النص، قال في الفتح: وهو يعكر على نفي الاختلاف الذي نقله البغوي آنفًا، واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها، أو شرط في التمكن، فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة؟! وعبارة أبي الطيب الطبري منهم: الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة، فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لها إلا مع محرم أو زوج، أو مع نسوة ثقات، ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول أحاديث الباب، لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وعدم نكير أحد من الصحابة عليهن في ذلك، ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما مرَّ، لا من جهة توقف السفر على المحرم، ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين -أحدهما عقب الآخر- ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء، إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشتهى، وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة، قال ابن دقيق العيد: الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب، وتعقبوه بأن لكل ساقطة لاقطة، والمتعقب راعى الأمر النادر، وهو الاحتياط، وقد احتج له بحديث عديّ بن حاتم مرفوعًا: "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة، تؤم البيت لا زوج معها" الحديث.

وهو في البخاري وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه، وأجيب بأنه خبر في سياق المدح، ورفع منار الإِسلام فيحمل على الجواز، وأجيب عن الباجي بأن هذه الساقطة

<<  <  ج: ص:  >  >>