فهم إدخال الزوج في المحرم، ولم يرد عليه ما فهمه بل قال له:"اخرج معها" واستثنى بعض العلماء -وهو مالك- ابن الزوج فكره السفر معه لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيرًا من الناس لا ينزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلة محارم النسب، والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب، قال ابن دقيق العيد: هذه الكراهة عن مالك إن كانت للتحريم ففيه بعد لمخالفة الحديث؛ فإن الحديث عام وإن كانت للتنزيه فهو أقرب، ولكن يتوقف على أن لفظ:"لا يحل" هل يتناول المكروه الكراهة التنزيهية.
وقوله:"ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة به، وقال القفال: لابد من المحرم، وكذا في النسوة الثقات في سفر الحج لابد من أن يكون مع إحداهن محرم، ويؤيده نص الشافعي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات إلا أن تكون إحداهن محرمًا له، قلت: ومذهب مالك كراهة إِمامة الأجنبي الأجنبيات، وللواحدة أشد كراهة.
وقوله:"فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا" قال في الفتح: لم أقف على اسم الرجل ولا امرأته، ولا على تعيين الغزوة المذكورة، وسيأتي في الجهاد بلفظ:"إني اكتتبت في غزوة كذا" أي: كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزوة، قال ابن المنير: الظاهر أن ذلك كان في حجة الوداع، فيؤخذ منه أن الحج على التراخي، إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزوة، كذا قال، وليس ما ذكره بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق، أو أن الجهاد قد تعين على المذكورين بتعيين الإِمام، كما لو نزل عدو بقوم فإنه يتعين عليهم الجهاد، ويتأخر الحج اتفاقًا.
وقوله:"اخرج معها" أخذ بظاهره بعض أهل العلم، فأوجب على الزوج السفر مع الزوجة إذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه، كالولي في الحج عن المريض، فلو امتنع إِلا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها، فصار في حقها كالمؤنة، واستدل به على أنه ليس للزوج منع زوجته من حج الفرض، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي، وأما ما رواه الدارقطني عن ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها الزوج، ولها مال، ولا يأذن لها في الحج فليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها، فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع عملًا بالحديثين، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا، استنبط منه ابن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج، ولا محرم، بكونه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بردها، ولا عاب سفرها، وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطًا لما أمر زوجها بالسفر