من قوله:"فهما في النار" استمرار بقائهما فيها، كما لا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة، فالقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط، واحتج به من لم ير القتال في الفتنة، وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه، كسعد ابن أبي وقّاص وعبد الله بن عُمر، ومحمد بن مَسْلمة، وأبي بَكْرة، وغيرهم، وقالوا: يجب الكف والجلوس في البيوت حتى لو أراد أحدٌ قتله لم يدفعه عن نفسه، ومنهم من قال: يلزم التحول عن بلد الفتن أصلًا، ومنهم من قال: لا يدخل في الفتنة، فإن أراد أحدٌ قتله دفع عن نفسه، وكذا عن ماله وأهله، وهو معذور إن قَتَل أو قُتل، وفصَّل آخرون فقالوا: كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا إمام للجماعة فالقتال حينئذٍ ممنوع، وتنزل الأحاديث التي في هذا الباب وغيره على ذلك وهو قول الأوْزاعيّ.
قلت: وحديث حُذَيفة الآتي في الفتن صريح في هذا وهو قوله: قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ قال: فاعتزل الفرقَ كلها ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
قال الطّبريّ: والصواب أن يقال أن الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل من قَدَر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومن أعان المخطىء أخطأ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها.
وذهب آخرون إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين، وأن النهي مخصوص بمن خُوطب بذلك، وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان، حيث يحصُلُ التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب المُلك، وقد وقع في حديث ابن مسعود: قلت: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال:"أيام الهَرْج" قلت: ومتى؟ قال:"حين لا يَأمَنُ الرجل جليسه" وحديث ابن مسعود المذكور هو ما أخرجه أحمد في ذكر الفتن، قلت: