قال: قلت: أرأيت اعتزال الأحنف ما كان؟ قال: سمعت الأحنف قال: حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد النبوي وفيهم عليٌّ وطَلحة والزُّبير وسَعْد إذ جاء عثمانُ فذكر قصة منا شدته لهم في ذكر مناقبه، قال الأحنف: فلقيت طلبة والزبير، فقلت: إني لا أرى هذا الرجل -يعني عثمان- إلا مقتولا فمن تأمُرانِّي به؟ قالا: علي، فقدمنا مكّة، فلقيت عائشة وقد بَلَغَنا قتلُ عثمان، فقلت لها: من تأمريني به؟ قالت: عليّ، قال: فرجعنا إلى المدينة، فبايعتُ عليًا، ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك، إذ أتاني آت فقال: هذه عائشة وطلحة والزبير، نزلوا بجانب الخُرَيْبة يَسْتنصرون بك، فأتيتُ عائشة فذكرتها بما قالت لي، ثم أتيت طلحة والزبير فذكرتهما، فذكرا القصة، وفيها فقلت: والله لا أقاتلكم وفيكم أُم المؤمنين وحواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أقاتل رجلًا أمرتموني ببَيْعته، فاعتزل القتال مع الفريقين.
ويمكن الجمع بأنه هَمَّ بالترك ثم بدا له في القتال مع علي ثم ثَبَّطه عن ذلك أبو بَكْرة، أو هَمَّ بالقتال مع علي فثبطه أبو بَكْرة، وصادف مراسلة عائشة له، فرجح عنده التَّرْك.
وأخرج الطّبريُّ أيضًا عن قَتَادة قال: نزل عليُّ بالزاوية فأرسل إليه الأحنف: إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه كفّ من قدرتَ على كفه.
قوله: قلت وفي رواية، فقلت. وقوله هذا القاتل، أي يستحق النار لكونه كان ظالمًا.
وقوله:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" استدَلَّ به من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم، وإنْ لم يقع الفعل، وأجاب من لم يقل بذلك بأن فيه فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال، ومرّ الكلام مستوفىً غايَةَ الاستيفاء على هذه المسألة في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنا أعلمكم بالله" اهـ.