الأحنف. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مُصعب بن الزُّبير يوم موته: ذهب اليوم الحزم والرأي.
وروى أحمد في الزهد: أن الأحنف بلّغه رجلان دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له، فسجد.
كان سيد قومه، موصوفًا بالدهاء والحلم والعلم، قال فيه الثَّوريّ: ما وُزِن عقل الأحنف بعقل إلا وَزَنه. شهد صفين مع علي - رضي الله عنه -. ولم يشهد وقعة الجمل مع أحد من الفريقين.
ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه يوما فقال له معاوية: والله يا أحنف ما أذكر يوم صفين إلا كانت حَزَازة في قلبي إلى يوم القيامة، فقال له: والله يا معاوية إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناك بها لفي أغمادها وإن تَدْن من الحرب فترًا نَدْنُ منه شبرا، وإن تمش إليها نُهَرول إليها، ثم قام وخرج. وكانت أخت معاوية من وراء الحجاب تسمع كلامه، فقالت: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي يتهدد ويتوعد؟ فقال: هذا الذي إذا غضب غضب لغضبه مئة ألف لا يدرون فيم غضب.
وسُئل عن الحِلم ما هو فقال: الذلّ مع الصبر. وكان يقول إذا عجب النَّاس من حلمه: إني لأجد ما تجدون، ولكني صبور. ومن طريق الحسن عن الأحنف قال: لستُ بحليم، ولكني مُتحالمٌ، وكان يقول: وجدتُ الحِلم أنْصر لي من الرجال.
وكان يقول: ما تعلمت الحِلم إلا من قيس بن عاصم المِنْقريّ، لأنه قَتَل ابن أخ له بَعْض بنيه فأُتي بالقاتل يقاد إليه مكتوفًا. فقال: ذَعَرْتُم الفتى ثم أقبل على الفتى وقال له: يا بُنيّ، بئس ما فعلت، نقَصت عَدْوَك، وأوهنت عَضُدك، وأشْمتَّ عدوَّك، وأسأت بقومك، خلّوا سبيله، واحملوا إلى أم المقتول ديته، فإنها غريبة. ثم انصرف القاتل وما حَلّ قَيْس حَبْوته، ولا تغيّر وجهه.