ووجه الاقتصار على هذه الثلاثة هو أنها مُنبِّهة على ما عداها إذ أصل عمل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية. فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخُلْف، لأن خُلْف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مُقارنًا للوعد كما مر قريبًا.
وقد قيل إن ظاهر هذا الحديث الحَصْر في ثلاث، فكيف جاء في الحديث الذي يليه "أربعٌ من كنَّ فيه" وأجيب باحتماله، أنه استجد له - صلى الله عليه وسلم - من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده، أو يُجاب بأنه لا تعارض بينهما، لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق، لاحتمال أن تكون العلامات دالة على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كَمُل بها خلوص النفاق.
على أن في رواية مسلم ما يدل على إرادة عدم الحصر، ففيه لفظة "من علامة المنافق ثلاث" وكذا أخرجه الطَّبرانيّ في الأوسط عن أبي سعيد. وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال، فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر وهذا غير مفيد لأنه تبقى أربعة لكن يأتي ردها إلى ثلاث. أو يجاب بأنَّ إذا عاهد غَدَر، التي هي إحدى الأربع في معنى قوله: وإذا ائتمن خان، لأن الغدر خيانة.
وعد بعضهم هذا الحديث مُشْكلا من حيثُ أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المُجْمع على عدم كفره، وأجيب عن هذا بأن هذه خصال نفاق لا نفاق، فهو على سبيل المجاز، أو المراد نفاق العمل لا نفاق الكفر، وارتضى هذا القُرطبيّ، ويؤيده قول عُمَر لحُذَيْفة: هل تعلم فيّ شيئًا من النفاق؟ فإنه لم يُرِد بذلك نفاق الكُفْر، وإنما أراد نفاق العمل.
أو المراد من اتصف بذلك وكانت له دَيْدنا وعادة. ويدل عليه التعبير بإذا المفيد لتكرار الفعل، وأيضًا حذف المفعول من حدث ووعد يدل على العموم، أي إذا حدّث في كل شيء كذب، أو يجعل قاصرًا أي: إذا وَجَد ماهيّة التحديث كذب. أو هو محمول على من غلبت عليه هذه