وقال الخطّابي: احتسابا: أي عزيمة، وهو أن يفعله على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسُه بذلك، غير مستثقل له. ونُصبا على المفعول له. وجَوّز أن يكونا على الحال مصدرًا بمعنى الوصف، أي مؤمنًا محتسِبًا، وقوله:"غُفر له" ما تقدم من ذنبه يعني غير الحقوق الآدمية، لأن الإجماع قائم على أنها لا تسقط إلا برضاهم.
ولفظة من إما متعلقة بغفر أي غفر من ذنبه ما تقدم، فهو منصوب المحل، أو هي مبينة لما تقدم، وهو مفعول لما لم يُسَمّ فاعله فيكون مرفوع المَحلّ، ولفظة ذنبه اسم جنس مضاف، فيتناول جميع الذنوب الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المُنذر.
وقال النّوويّ: المعروف أنه يختص بالصغائر، وبه جَزم إمام الحرمين، وعزاه عِياض لأهل السُّنة. قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة. ومن ليس له صغائر ولا كبائر يُزاد في حَسناته بنظير ذلك.
وهذا الحديث نَظيره ما في البُخاريّ عن عثمان بن عفان في صفة الوُضوء إلى أن قال: من توضأ نَحْو وُضوئي هذا، ثم صلّى ركعتين لا يُحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ونظيره أيضًا ما في البخاريّ في مواقيت الصلاة عن أبي هريرة، ففيه "فذلك مِثْل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا" فحمل العلماء في المشهور عنهم هذه الأحاديث على الصغائر دون الكبائر لوجود التَّقييد بالصّغائر فيما أخرجه مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هُريرة مرفوعًا: "الصلوات الخمس كفّارةٌ لما بينها ما اجْتُنِبت الكبائر". فحملوا على هذا المُقيّد ما أُطلق في غيره.
وقد قال ابن بُزَيْزَة: يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر مكفَّرَةٌ باجتناب الكبائر بنص القرآن الكريم، فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ وأجاب البَلقَيْنيّ بأنَّ السؤال غير وارد، لأن مراد الآية إن تجتنبوا في جميع العمر، ومعناه المُوافاة على هذه الحالة