من وقت الإِيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها، أي في يومها إذا اجْتُنبت الكبائر في ذلك اليوم، فلا تَعارُض بين الآية والحديث. قلت: في هذا الجواب نظر. لأنه إن أراد أن الآية لا تصدُق إلا على من اجتنب في جميع عمره، ومن عداه لا ينتفع بذلك الاجتناب سواء الآتي بالخمس وغيره، فهذا تضْييق بعيد يحتاج إلى نصّ، والحديث الصحيح يكذبه. وإن كان مراده أنها متناولة لجميع العمر، فاليوم داخل فيه تكفر فيه الصغائر باجتناب الكبائر.
ثم قال: وعلى تقدير ورود السؤال، فالتخلص منه بأنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مُجتنبًا للكبائر، لأن تركها من الكبائر، فوقف التكفير على فعلها. وقد فصل البَلْقَينيّ أحوال الإِنسان -يعني المؤدي للخمس- بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة:
أحدها أن لا يصدر منه شيء البتة، فهذا يُعاوض برفع الدرجات.
ثانيها: يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفر عنه جَزْما.
ثالثها: مثله لكن مع الإِصرار فلا تُكفّر إذا قلنا إن الإِصرار على الصغائر كبيرة.
رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر.
خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يَجْتنب الكبائر أن لا تكفّر الكبائر بل تُكفّر الصغائر ويحتمل أن لا تكفر شيئًا أصلًا.
والثاني أرجح، لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يُعمل به، فهنا لا تكفِّر شيئًا إما لاختلاط الكبائر والصغائر، أو لِتمحُّض الكبائر، أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين، فلا يُعمل به، ويؤيّده أن مقتضى ما اجْتُنبت الكبائر أنْ لا كبائر فيُصانُ الحديث عنه.
وفي حديث الباب زيادة وما تأخّر بعد قوله:"ما تقدم من ذنبه"