أخرج تلك الزيادة أحمد والنّسائي وأبو بكر بن المُقرىء في فوائده، وأبو عبد الله الجُرْجانيّ في أماليه عن ابن وهب عن مالك، فما رُوي عن ابن عبد البرّ من استنكارها غير مُعوّل عليه. وقد استشْكلت هذه الزيادة من حيث أن المغفرة تستدعي سَبْق شيء يغفر، والمتأخر من الذنوب لم يأت، فكيف يغفر؟ والجواب أنه قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك، وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة، وبهذا أجاب جماعةٌ منهم الماوَرْديّ في الكلام على حديث صيام عَرَفة، وأنه يُكفّر سنتين سنةً ماضية وسنة آتية. وقد أخرج البخاري هذا الحديث عن أبي هريرة وحَديثَيْ قيام رمضان وصيامه من الإِيمان الآتيين قريبًا.
وعبر في حديث ليلة القدر بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما قال الكَرَمانيّ: النكتة في ذلك هي أن قيام رمضان محقق الوقوع، وكذا صيامه، بخلاف قيام ليلة القدر، فإنه غير مُتيَقَّن، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل. وقال غيره: استعمل لفظ الماضي في الجزاء إشارة إلى تحقق وقوعه، فهو نظير قوله {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل: ١].
وفي استعمال الشرط مضارعًا والجزاء ماضيًا نزاعٌ بين النحاة، فمنعه الأكثر، وأجازه آخرون بقلّة، واستَدَلّوا بقوله تعالى:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ}[الشعراء: ٤] لأن قوله فظلت بلفظ الماضي، وهو تابع للجواب وتابع الجواب جواب، واستدلوا أيضًا بهذا الحديث، وفي الاستدلال به نظرٌ كما قال في الفَتح، لأن الظن عنده أنه من تصرُّف الرواة، لأن الروايات فيه مشهورة عن أبي هريرة بلفظ المضارع في الشرط والجزاء. ورواه النَّسائي عن أبي اليَمان شيخ البُخاريّ فيه، فلم يُغاير بينهما فيه، بل قال:"من يقم ليلة القدر يغفر له". ورواه أبو نعيم في المُسْتخرج عن أبي اليمان، ولفظه زائد على الروايتين، فقال:"لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقها إيمانًا واحتسابًا إلا غُفر له ما تقدم من ذنبه".