"ما قعدت" فقال: يجوز حذف اللام وإثباتها من جواب لولا، وجعل الودادة ممتنعة خشية وجود المشقة لو وُجِدت. وتقدير الكلام عنده "لولا أن أشق على أمتي لوددت أني أُقتل" ثم شرع يتكلَّف استشكال ذلك.
والجواب عنه: ورواية الجهاد المتقدمة بَيَّنتُ أنها جملة استئنافيّة، ووددت من الوَدادة، وهي إرادة وُقوع الشيء على وجه مخصوص يراد.
وقال الراغب: الودّ محبة الشيء وتمني حصوله. فمن الأول:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: ٢٣] ومن الثاني {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}[آل عمران: ٦٩] والنكتة في إيراد هذه الجملة عقب تلك إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم، وكأنّه قال: الوجه الذي يسيرون له، فيه من الفضل ما أتمنى لأجله أني أقتل مرّات، فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله، وفوقه من فضل الجهاد. فراعى خَواطِر الجميع.
وقد خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بعض المغازي، وتخلّف عنه المُشار إليهم، وكان ذلك حيثُ رجّحت مصلحة خروجه على مراعاة حالهم. وقوله:"أني أُقتل في سبيل الله" استشكل بعض الشُّراح صدور هذا التمني منه عليه الصلاة والسلام، مع علمه بأنه لا يقتل.
والذي يظهر في جوابه أنَّ تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ودِدت لو أنّ موسى صَبَر" فكأنّه عليه الصلاة والسلام أراد المبالغة في فضل الجهاد، وتحريض المسلمين عليه.
ولفْظُ الحديث "أُقْتل وأُحيا" بضم الهمزة فيهما، وهي خمسة ألفاظ.
ورواية الأصيليّ "أن أُقتل" بدل أني. ولأبي ذرٍّ "فأُقتل ثم أُحيا فأُقتل" وختم بقوله "أُقتل". والقرار إنما هو على حالة الحياة، لأن المراد الشهادة.
فختم الحال عليها أو الإِحياء للجزاء معلوم، فلا حاجة إلى ودادته، لأنه ضروريّ الوقوع، وثمَّ للتّراخي في الرُّتبة، أحسن من حملها على تراخي