بأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة وهذا هو الذي في حديث البَراء، والآتي إليهم بذلك عبّاد بن بِشر أو عبّاد بن نَهِيك كما مر، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج عن المدينة، وهم بنو عَمْرو بن عَوْف أهل قُباء، وذلك في حديث ابن عُمر، ولم يُسَمِّ الآتي بذلك إليهم. وقد نقل ابن ظاهر وغيره أنه عَبّاد بن بِشر، فإن كان ما نقلوه محفوظًا، فيحتمل أن يكون عباد أتى بني حارثة أولًا في وقت العصر، ثم توجه إلى أهل قُباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح.
وقوله: وهم راكعون، أي حقيقة، أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. وقوله "أشهد لقد صلّيت إلخ"، الّلام للتأكيد، وقد للتحقيق، وجملة أشهد اعتراض بين القول ومَقُوله. وقوله: فَدَاروا، أي: سمعوا كلامه فدَاَروا. وقوله: كما هم قِبل البيت، أي الحرام، ولم يَقطعوا الصلاة، بل أتموها إلى جهة الكعبة، فصلوا صلاة واحدة إلى جهتين بدليلين شرعيين. والكاف في "كما هم" للمبادرة، وقيل للمقارنة، وما كافة، وهم مبتدأ حُذِف خبره، أي: عليه. وقيل: ما موصولة، والعائد عليه المحذوف، لكن يلزم عليه حذف العائد المجرور مع تخلّف شرطه، ووقع كيفية التَّحوُّل عند ابن أبي حاتم في حديث ثُويْلة بنت أسْلَم، قالت فيه: فَتَحوَّل النّساء مكان الرجال، والرِّجالُ مكان النّساء فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام.
قال في الفتح: وتصويره أن الإِمام تحوّل من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف. ولمّا تحوّل الإِمام تحولت الرجال، حتى صاروا خلفه، وتحولت النساء حتى صِرْن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملًا كثيرًا في الصلاة. فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير، كما كان قبل تحريم الكلام. ويحتمل أن يكون العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو لم تتوال الخطا عند التحول، بل وقعت مُفرَّقة.