وقوله:"وقد أعجبهم" أي النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو منصوب على المفعولية، وقوله:"قِبَل بيت المقدس" أي حال كونه متوجهًا إليه. وقوله:"وأهلُ الكتاب" بالرفع، عطفًا على اليهود، وهو من عطف العام على الخاص، أو المراد النصارى فقط. وردُّ هذا بأنّ النصارى لا يصلون إلى بيت المقدس فكيف يعجبهم؟ وأجيب بأن إعجابهم بطريق التَّبعيّة لليهود، وفيه بُعدٌ، لأنهم أشد الناس عداوة لليهود، ويحتمل أن يكون بالنصب، والواو بمعنى مع، أي؛ يصلي مع أهل الكتاب إلى بيت المقدس. وعلى هذا، المراد بأهل الكتاب اليهود خاصة. وقوله "أنكروا ذلك" يعني اليهود، فنزلت {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ}[البقرة: ١٤٢].
وقد صرح المصنف بذلك في روايته من طريق إسرائيل.
واختُلف في صلاته عليه الصلاة والسلام إلى بيت المَقْدس وهو بمكة، فقال قوم: لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس، ثم نسخ. وعلى هذا يلزم النسخ مرتين. وقال البَيْضاويّ في تفسير قوله:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}[البقرة: ١٤٣] أي: الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - يُصلّي إليها بمكة، ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصَّخرة تألُّفًا لليهود، ثم نُسِخ.
وقال قومٌ: كان لبيت المقدس، فروى ابنُ ماجه حديث "صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المَقْدس ثمانية عشر شهرًا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين" وظاهره أنه كان يصلي إلى بيت المقدس محضًا، ويؤيد حمله على ظاهره خبرُ إمامة جبريل، ففي بعض طرقه أن ذلك كان عند باب البيت. وعن ابن عبّاس: كانت قبلته بمكة بيت المقدس، إلا أنّه كان يجعل الكعبة بينه وبينه، فكان يصلي بين الرُّكْنَين اليمانيَّين. قال البَيْضاويّ: فالمخبر به في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ}[البقرة: ١٤٣] على الأول، الجَعْل النّاسخ، وعلى الثاني الجعلُ المنسوخ. والمعنى: أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وما جعلنا قِبلتك بيتَ المقدس.