وروى الدارقطني هذا الحديث عن مالك بلفظ: ما من عبد يسلم فيحسن إسلامه إلا كتب الله له كل حسنة زلفها، ومحا عنه كل خطيئة زلفها بالتخفيف فيهما، وللنسائي نحوه، لكن قال: أزلفها.
وقوله في هذا الحديث:"كتب الله" أي: أمر أن يكتب، ورواه الدارقطني عن مالك بلفظ:"يقول الله للملائكة: اكتبوا". وكتابة الحسنات المتقدمة قبل الإِسلام الساقطة من رواية البخاري ثابتة في جميع الروايات، وقد قيل: إن البخاري أسقطها عمدًا لأنها مشكلة على القواعد، وقال المارزي: الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفًا لمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، ووافقه القاضي عياض على هذا الإِشكال، واستضعف النووي ذلك، وقال: الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع، أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإِسلام فإن ثواب ذلك يكتب له، وأما دعوى أن ذلك مخالف للقواعد، فغير مسلم، لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا، ككفارة الظهار، فإنه لا تلزمه إعادتها إذا أسلم، وتجزئه، وقد جزم بما جزم به النووي إبراهيم الحربي، وابن بطّال، وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين.
قال ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإِسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرًا فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل، وكما يتفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل، وهو قادر، فهذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة، جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشروط.
وقال ابن بطال: لله أن يتفضل على عباده بما شاء، ولا اعتراض لأحد عليه.