للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين، كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح، وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح، بل يكون هباءً منثورًا، فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافًا إلى عمله الثاني، وبقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما سألته عائشة عن ابن جُدْعان وما كان يصنعه من الخير هل ينفعه؟ فقال: "إنه لم يقُل يومًا ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين" فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر.

قلت: ما قاله النووي ومن وافقه هو صريح ما أخرجه البخاري في كتاب الأدب والزكاة والعتق، عن حكيم بن حِزام، ولفظه أنه قال: يا رسول الله أرأيت أمورًا كنت أتَحنَّثُ بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة، هل كان لي فيها من أجر؟ قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "أسلمتَ على ما سلفَ من خيرٍ". والذين قالوا: إن الكافر لا يثاب، حملوا هذا الحديث على وجوه أخرى، منها أن يكون المعنى: أنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلة، فانتفعت بتلك الطباع في الإِسلام، وتكون تلك العادة قد مَهَّدت لك معونةً على فعل الخير، أو أنك اكتسبت بذلك ثناءً جميلًا، فهو باق لك في الإِسلام، أو أنك ببركة فعل الخير هُديت إلى الإِسلام، لأن المبادىء عنوان الغايات، أو أنك بتلك الأفعال رُزقت الرزق الواسع، قال ابن الجوزي: قيل: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ورّى عن جوابه، فإنه سأل: هل لي فيها من أجر؟ فقال: "أسلمت على ما سَلفَ من خير" والعتق فعل الخير، وكأنه أراد: إنك فعلت الخير، والخير يُمدح فاعله، ويُجازى عليه في الدنيا، فقد روى مسلم عن أنس مرفوعًا: "إن الكافر يُثاب في الدنيا بالرِّزقِ على ما يفعله من حسنةٍ" وفيما أخرجه في العتق عن هشام. إن حكيمًا أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، وقال: فوالله لا أدع شيئًا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإِسلام مثله.

قال في "الفتح": والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في

<<  <  ج: ص:  >  >>