باب بالإضافة لتاليه قطعًا، وقد تقدم له قبل هذا بأبواب عديدة باب تفاضل أهل الإِيمان في الأعمال، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخُدْري بمعنى حديث أنس الذي أورده هنا، فتعقب عليه بأنه تكرار، وأجيب عنه بأن الحديث لما كانت الزيادة والنقصان فيه باعتبار الأعمال، أو باعتبار التصديق، ترجم لكل مني الاحتمالين، وخص حديث أبي سعيد بالأعمال لأن سياقه ليس فيه تفاوت في المَوْزُونات، بخلاف حديث أنس الآتي، ففيه التفاوت في الإيمان القائم بالقلب من وزن الشعيرة والبُرّة والذَّرّة.
قوله:"وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} وإنما أعاد المصنف الآيتين المذكورتين في هذا الباب، وقد مرتا في أول كتاب الإيمان ليوطىء بهما معنى الكمال المذكور في الآية الثالثة، لأن الاستدلال بهما نصٌّ في الزيادة، وهو يستلزم النقص، وأما الكمال فليس نصًّا في الزيادة، بل هو مستلزم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة، ومن ثم قال المصنف: "فإذا تركَ شيئًا من الكمال فهو ناقص" ولهذه النكتة عدل في التعبير بالآية الثالثة عن أسلوب الآيتين، حيث قال أولًا: "وقول الله" وقال ثانيًا: "وقال"، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأن آية:{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينُكُمْ} لا دليل فيها على مراده، لأن الإكمال إن كان بمعنى إظهار الحجة على المخالفين، أو بمعنى إظهار أهل الدين على المشركين، فلا حجة للمصنف فيه، وإن كان بمعنى إكمال الفرائض لزم عليه أنه كان قبل ذلك ناقصًا، وأن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمانه ناقصًا، وليس الأمر كذلك؛ لأن الإيمان لم يزل تامًّا، ويوضح دفع هذا الاعتراض جواب أبي بكر بن العربي بأن النقص أمر نسبيّ، لكن منه ما يترتب عليه الذم، ومنه ما لا يترتب، فالأول ما نقصه بالاختيار، كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمدًا، والثاني ما نقصه بغير اختيار، كمن لم يعلم أو لم يكلف، فهذا لا يُذم، بل يُحمد من جهة أنه كان قلبه مطمئنًا، بأنه لو زيد لقبِلَ، ولو كُلِّف لعَملَ، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض، ومحصله