أن النقص بالنسبة إليهم صوريٌّ نسبيٌّ، ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا نظير قول من يقول: إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، لاشتماله على ما لم يقع في الكتب التي قبله من الأحكام، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملًا، وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكمليةُ أمر نسبي كما تقرر، وقد وقع الاستدلال بهذه الآية لسفيان بن عُيينة بنظير ما أشار إليه البخاري، أخرجه أبو نُعَيْم في "الحلية" في ترجمته عن عمرو بن عُثمان الرَّقّي، قال: قيل لابن عُيينةَ: إن قومًا يقولون: الإيمان كلامٌ، فقال: كان هذا قبل أن تنزل الأحكام، فأُمر الناس أن يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا دماءَهم وأموالهم، فلما علم الله صدقهم أمرهم بالصلاة، ففعلوا، ولو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار، فذكر الأركان إلى أن قال: فلما علم الله ما تتابَع عليهم من الفرائضِ، وقبولهم، قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فمن ترك شيئًا من ذلكَ كسلًا أو مُجونًا أدّبناه عليه، وكان ناقص الإيمان، ومن تركها جاحدًا كان كافرًا.
وتبعه أبو عُبيد في كتاب "الإيمان" له، وزاد: إن بعض المخالفين لما أُلزم بذلك أجاب بأن الإيمان ليس هو مجموع الدين، إنما الدين ثلاثة أجزاء، الإيمان جزء، والأعمال جزءان لأنها فرائض ونوافل، وتعقبه بأنه خلاف ظاهر القرآن، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} والإِسلام حيث أطلق مفردًا دخل فيه الإيمان كما مر تقريره.