من الأبواب قد تضمن الرد عليهم، لكن قد يشركهم غيرهم من أهل البدع في شيء منها، بخلاف هذا.
والمُرْجِئة -بضم الميم، وكسر الجيم، بعدها ياء مهموزة، ويجوز تشديدها بلا همز- نسبوا إلى الإرجاء، وهو التأخير، لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان، فقالوا: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولم يشترط جمهورهم النطق، وجعلوا للعصاة اسم الإيمان على الكمال، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب أصلًا، ومقالاتهم مشهورة في كتب الأصول.
ومناسبة إيراد هذه الترجمة عقب التي قبلها من جهة أن اتباع الجنازة مظنةٌ لأن يقصد بها مراعاة أهلها، أو مجموع الأمرين، وسياق الحديث يقتضي أن الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابًا، أي: خالصًا، فعقبه بما يشير إلى أنه قد يعرِضُ للمرء ما يعكر على قصده الخالص، فيُحرم به الثواب الموعود وهو لا يشعر.
وقوله:"من أن يحبط عمله"، حبط من باب علم يعلم، أي: من حبط عمله وهو ثوابه الموعود به؛ لأنه لا يُثاب إلاَّ على ما أخلص فيه. ولفظة "من" ساقطة من رواية ابن عساكر، وهي مقدرة، لأن المعنى عليها.
وقوله:"وهو لا يشعر" جملة اسمية حالية، لا يقال: إنما قاله المؤلف يقوي مذهب الإِحباطية الذين قالوا: إن السيئات يبطلن الحسنات، وحكموا على العاصي بحكم الكافر، وهم معظم القدرية، لأن مراد المؤلف إحباط ثواب ذلك العمل فقط، لأنه لا يُثاب إلا على ما أخلص فيه، لا إحباط جميع الأعمال، كما يقع بالكفر.
قال النوويّ: المراد بالحبط نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر، وقال أبو بكر بن العربي في الرد على الإحباطية: القول الفصل في هذا أن الإحباط إحباطان، أحدهما: إبطال الشيء للشيء وإذهابه جملة، كإحباط الإيمان للكفر، والكفر للإيمان، وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي. ثانيهما: إحباط الموازلة إذا جُعلت الحسنات في كفة