للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسيئات في كفة، فمن رجحت حسناته نجا، ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة، إما أن يُغفر له، وإما أن يُعذب، فالتوقيف إبطال ما، لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها، والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار، ففي كل منهما إبطال نسبي أطلق عليه اسم الإحباط مجازًا، وليس هو إحباطًا حقيقة، لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله، وهذا بخلاف قول الإحباطية الذين سووا بين الإحباطين، وحكموا على العاصي بحكم الكفر اهـ.

ثم ذكر المؤلف ثلاثة تعاليق:

الأول: (وقال إبراهيم التيمي، ما عرضت قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكون مكذبًا) قوله: "مكذبًا" روي بفتح الذال أي خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفًا لقولي، فيقول: لو كنت صادقًا ما فعلت خلاف ما تقول، وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس. وروي بكسر الذال، وهي رواية الأكثر، ومعناه أنه مع وعظه الناس لم يبلغ غاية العمل، فخشي أن يكون مكذبًا أي: مشابهًا للمكذبين، وقد ذم الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

وقال البيضاوي في آية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} إنها ناعية على من يعظ غيره ولا يعظ نفسه سوء صنيعه وخبث نفسه، وإن فعله فعل الجاهل بالشرع، أو الأحمق الخالي عن العقل فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم، لا منع الفاسق من الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر اهـ.

الثاني: (وقال ابن أبي مُليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل).

<<  <  ج: ص:  >  >>