تعالى عليه وسلم، ولهذا استغرب الصحابة صنيعه، ولأنه ليس من أهل البلد، وجاء ماشيًا ليس عليه أثر السفر.
وقول عمر السابق:"لا يعرفه منا أحد" يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين، وهذا أولى لما في رواية عثمان بن غياث عند أحمد في "مسنده" عن ابن عمر، عن عمر:"فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: ما نعرفه" وأفاد مسلم سبب ورود هذا الحديث، فعنده في أوله قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:"سلوني، فهابوا أن يسألوه، فجاء رجل ... إلخ" ووقع في رواية ابن منده عن كَهْمَس: "بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخطب، إذ جاءه رجل" فكان أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته، وظاهره أن مجيء الرجل كان في حال الخطبة، فإما أن يكون وافق انقضاءها، أو كان ذكر ذلك القدر جالسًا، وعبر عنه الراوي بالخطبة.
قوله:"فقال: ما الإيمان؟ " زاد المصنف في التفسير: "يا رسول الله: ما الإيمان؟ " والجواب عما قيل: كيف بدأ بالسؤال قبل السلام؟ هو أنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره، أو ليبين أن ذلك غير واجب، أو سلم فلم ينقله الراوي، وهذا الثالث هو المعتمد، فقد ثبت في رواية أبي فَرْوة الماضية بعد قوله:"كأن ثيابه لم يمسها دنس، حتى سلم من طرف البساط، فقال: السلام عليك يا محمد، فرد عليه السلام، قال: أدنو يا محمد؟ قال: ادنُ. فما زال يقول: أدنو؟ مرارًا. ويقول له: ادن". ونحوه في رواية عطاء عن ابن عمر عند الطبراني، لكن قال:"السلام عليك يا رسول الله". وفي رواية مطر الوراق عند أبي عوانة في "صحيحه" فقال: "يا رسول الله: أدنو منك؟ قال: ادن" ولم يذكر السلام.
فاختلفت الروايات: هل قال له: يا محمد أو يا رسول الله؟ وهل سلم أولًا؟ فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه.
قال القرطبي -بناء على أنه لم يسلم، وقال: يا محمد-: إنه أراد بذلك التعمية، فصنع صنيع الأعراب.