توجهوا في طلب الرجل، أولشغل آخر، ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له، فأخبر عليه الصلاة والسلام الحاضرين في الحال، ولم يتفق الإخبار لعمر إلا بعد ثلاثة أيام، ويدل عليه قوله:"فلقيني"، وقوله:"فقال لي: يا عمر"، فوجه الخطاب له وحده، بخلاف إخباره الأول، وهو جمع حسن.
وفي قوله:"يعلمكم دينكم" دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علمًا وتعليمًا، لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال، ومع ذلك فقد سماه معلمًا، وقد اشتهر قولهم: حسنُ السؤال نصف العلم، ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث، لأن الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معًا.
وقال القُرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له: أم السنة، لما تضمنه من جمل علم السنة.
وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه "المصابيح" و"شرح السنة" اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة، لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالًا.
وقال القاضي عِياض: اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالًا ومآلًا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه.
وقوله:"قال أبو عبد الله" جعل ذلك كله من الإيمان، وأبو عبد الله المراد به البخاري نفسه، وقد قال في أول الباب:"فجعل ذلك كله دينًا"، أما جعله دينًا فظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث:"جاء يعلم الناس دينهم"، وأما جعله إيمانًا، فكلمة "من" إمّا تَبْعيضيّة، والمراد بالإيمان هو الإيمان الكامل المعتبر عند الله تعالى، وعند الناس، فلا شك أن الإِسلام والإحسان داخلان فيه، وإما ابتدائية، ولا يخفى أن مبدأ