للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحسان والإِسلام هو الإيمان بالله، إذ لولا الإيمان به لم تتصور له العبادة.

وقوله: "فجعل ذلك كله دينًا" لا يدل على اتحاد الإِيمان والإِسلام، بل يدل على أن الدين اسم لمجموع هذه الثلاثة، وقوله الأخير: "جعل ذلك كله من الإيمان" دال على اتحادهما، وهذه مسألة اختلف العلماء فيها، وقد ذكرت طرفًا من الكلام فيها في أول كتاب الإيمان، وها أنا أذكر هنا حاصل ما ذكره في "الفتح".

فقد نقل أبو عُوانة الإسفراييني في "صحيحه" عن المُزَني صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك منه، وعن الإِمام أحمد الجزم بتغايرهما، ولكل من القولين أدلة متعارضة.

وقال الخطابي: صنف في المسألة إمامان كبيران، وأكثرا من الأدلة للقولين، وتباينا في ذلك، والحق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، يعني: مطلقًا، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا.

قال في "الفتح": ومقتضاه أن الإِسلام لا يطلق على الاعتقاد والعمل معًا، بخلاف الإيمان، فإنه يطلق عليهما معًا، ويرد عليه قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فإن الإِسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معًا، لأن العامل غير المعتقد ليس بذي دين مرضي، وبهذا استدل المزني، وأبو محمد البغوي، فقال في الكلام على حديث جبريل هذا: جعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الإِسلام هنا اسمًا لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسمًا لما بطن من الاعتقاد، وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان، ولا لأن التصديق ليس من الإِسلام، بل ذاك تفصيل لجملة اسمها شيء، وجماعها الدين، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم: "أتاكُم يعلمكم دينكم" وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ولا يكون الدين في محل الرضى والقبول إلا بانضمام التصديق.

<<  <  ج: ص:  >  >>