ومن الورع ما في القَسْطَلّاني من أن أخت بشر الحافي قالت لأحمد ابن حنبل: إنا نغزِل على سطوحنا، فيمر بنا مشاعل الظاهرية، ويقع الشعاع علينا، أفيجوز لنا الغزل في شعاعها. قال: من أنت عافاك الله؟ قالت: أخت بشر الحافي، فبكى، وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزِلي في شعاعها.
قال: ومكث مالك بن دينار بالبصرة أربعين سنة لم يأكل من ثمارها حتى مات.
قال: وأقامت السيدة بديعة الإيجيّة من أهل عصرنا بمكة أكثر من ثلاثين سنة، لم تأكل من اللحوم والثمار وغيرها المجلوبة من بجيْلة، لما قيل: إنهم لا يورِّثون البنات، وامتنع أبوها نور الدين من تناول ثمر المدينة لما ذُكر أنهم لا يزكون.
قلت: لعل امتناع مالك بن دينار السابق من أكل تمر البصرة من أجل هذا المعنى، وبالله تعالى التوفيق.
وقوله:"ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمىً" ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وتدخل على الجملتين، نحو:{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}، {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} وإفادتها التحقيق من أجل تركيبها من الهمزة ولا، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق، نحو:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}. قال الزّمخشريّ: ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم، نحو:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ}.
والواو في "وإن لكل" عطف علي مقدر، أي: ألا إن الأمر كما تقدم، وإن لكل ملك حمى. قوله:"ألا إنَّ حِمَى اللهِ محارمُه" وفي رواية أبي ذر: "وإنَّ" بالواو، وفي رواية غير المستملي زيادة:"في أرضه" والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم، أو ترك المأمور به الواجب، ولذا وقع في رواية أبي فَرْوة التعبير بالمعاصي بدل المحارم، وهذا من باب التمثيل