الأشج جمع رحالهم، وعقل ناقته، ولبس ثيابًا جددًا، ثم أقبل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأجلسه إلى جانبه، ثم إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لهم:"تبايعوني على أنفسكم وقومكم؟ " فقال القوم: نعم، وقال الأشَجّ: يا رسول الله، إنك لن تزايل الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، وترسل معنا من يدعوهم، فمن اتبع كان منا، ومن أبى قاتلناه. قال:"صدقت، إن فيك لخصلتين يحبُّهما الله، الحلم والأناة" وفي "مسند" أبي يعلى الموصلي أنه قال: أكانا فيَّ أم حدثا؟ قال:"بل قديم" قال: الحمد لله الذي جعلني على خلقين يحبُّهما الله.
والأناة على وزن قناة الثاني والانتظار، وقال النووي: إن الوفد كانوا أربعة عشر، قال في "الفتح": لم يذكر له دليلًا، ويمكن أن يجمع بينه وبين ما في الحديث السابق بأن أحد المذكررين كان غير راكب، أو كان مرتدفًا.
وروى الدُّولابي وابن منده عن أبي خَيْرة -بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وبعد الراء هاء- الصُّباحِي -بضم الصاد المهملة، بعدها موحدة مخففة، وبعد الألف حاء مهملة- نسبة إلى صُباح بطن من عبد القيس، قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من عبد القيس، وكنا أربعين رجلًا، فنهانا عن الدُّبَّاء والنقير ... الحديث.
قال في "الفتح": ويمكن أن يجمع بينه وبين الرواية السابقة بأن الثلاثة عشر كانوا رؤوس الوفد، ولهذا كانوا ركبانًا، وكان الباقون أتباعًا.
قال في "الفتح": والذي تبين لي أنه كان لعبد القيس وفادتان، إحداهما قبل الفتح، ولهذا قالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم:"وبيننا وبيَنك هذا الحي من كفار مضر" وكان ذلك قديمًا، إما في سنة خمس أو قبلها، ويدل على سبق إسلامهم ما رواه المصنف في الجمعة والمغازي