وقوله:"فأمرهم بأربع" أي خِصال أو جمل لقولهم فيما رواه المؤلف في المغازي: حدثنا بجمل من الأمر، واستشكل قوله:"أمرهم بأربع" مع أن المذكورات خمس.
وأجاب القرطبي بان أول الأربع المأمور بها إقام الصلاة، وإنما ذكر الشهادتين تبركًا بهما، كما قيل في قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ونحى الطيبي إلى هذا، فقال: عادة البلغاء أن الكلام إذا كان مسوقًا لغرض جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه، وهنا لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين، لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة، ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما كما كان الأمر في صدر الإِسلام، فلهذا لم يعد الشهادتين في الأوامر.
وعورض هذا بما وقع في رواية حماد بن زيد عن أبي جَمْرة عند المصنف في المغازي:"آمركم بأربع الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلاَّ الله" وعقد واحدة وهو يدل على أن الشهادة إحدى الأربع. وعنده في أوائل المواقيت في رواية عباد بن عباد:"آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله" ثم فسرها لهم شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمدًا رسول الله، وهذا أيضًا يدل على أنه عد الشهادتين من الأربع، لأنه أعاد الضمير في قوله: ثم فسرها مؤنثًا، فيعود على الأربع، ولو أراد تفسير الإيمان لأعاده مذكرًا.
وأجاب القاضي عياض تبعًا لابن بطّال بأن الأربع ما عدا أداء الخمس، قال: كأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان، وفروض الأعيان، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع منهم جهاد، لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر، ولم يقصد ذكرها بعينها، لأنها مسببة عن الجهاد، ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين.
وأجاب ابن الصلاح وغيره بأن قوله:"وأن تُعطوا" معطوف على قوله: