صفة للمستثنى الذي هو نفقة، والمعنى: إن النفقة المأجور عليها هي التي تكون ابتغاءً لوجه الله تعالى، لأنها لو لم تكن لوجه الله لما كانت ماجورًا فيها، والاستثناء متصل، لأنه من الجنس.
قلت: كون الفعل لا يقع استثناء قاله في "الفتح"، ووافقه على ذلك العيني، فاحتاج إلى ما مر من التقدير، والذي في كتب النحو أن الفعل المضارع يجوز استثناؤه بدون شرط لمشابهته للاسم، نحو ما زيد إلا يقوم، والفعل الماضي يجوز استثناؤه إذا كان بعد فعل منفي، أو بعد حرف قد، فالأول نحو قوله تعالى:{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وقوله تعالى: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} وفي الحديث الصحيح: "لا يَبْقى أحدٌ منكم إلا لُدَّ غير العباس" وقوله: "ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا" والواقع بعد قد كقول الشاعر:
ما المجدُ إلاَّ قَدْ تبيَّنَ أنَّهُ ... بندى وحلْمٍ لا يزالُ مَؤثّلا
ولهذه المسألة أشار المختار بن بَوْن في "احمراره" بقوله:
وبَعْدَ نفيٍ أولها المضارِعا ... والماضي بعد الفعلِ أو قدْ وقَعَا
فعلى ما قاله النحويون لا يحتاج إلى التقدير الذي قدره العيني، والمعنى مستقيم غير محتاج إليه، لأن المعنى حينئذ كلما أنفقت نفقة تبتغي بها وجه الله كنت مؤجراً عليها.
قال السُّيوطي في "همع الهوامع": وإنما ساغ وقوع الماضي بتقديم الفعل؛ لأنه مع النفي يجعل الكلام بمعنى كلما كان كذا كان كذا، فكان فيه فعلان كما كان مع كلما.
وقوله:"حتى ما تجعل" أي: الذي تجعله، والموصول في محل نصب عطفًا على نفقة، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ، والخبر تجعل، وجعل العيني الخبر مقدرًا، أي: فأنت مأجور فيه.