ينبغي أن يضاف إلى مقصوده، فبه يظهر فضله، فالمال ليس محذورًا لعينه، بل لكونه قد يعوق عن الله، وكذا العكس، فكم من غني لم يشغله غناه عن الله، وكم من فقير شَغله فقره عن الله، إلى أنْ قال: وإن أخذتَ بالأكثر، فالفقير عن الخطر أبعد، لأن فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر، ومن العصمة أن لا تجد، وصرح كثير من الشافعية بأن الغنيّ الشاكر أفضل.
وقال الطّبريّ: لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر، غير أني أقول كما قال مُطْرف بن عبد الله: لأَنْ أعافى فأشكر أحب إلى من أن أُبتلى فأصبر. وكان السبب فيه ما جبل عليه طبع الآدميّ من قلة الصبر، ولهذا يوجد من يقوم بحسب الاستطاعة بحق الصبر، أقل ممن يقوم بحق الشكر بحسب الاستطاعة.
ووجد بخط عبد الله بن مرزوق: كلامُ الناس في أصل المسألة مختلفٌ، فمنهم من فضّل الفقر، ومنهم من فضل الغنى. ومنهم من فضل الكفاف. وكل ذلك خارج عن محل الخلاف، وهو أيُّ الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك، ويتخلق به، هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من الشواغل، وينال لذة المناجاة، ولا ينهمك في الاكتساب، ليستريح من طول الحساب، أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر، والصلة، والصدقة، كما في ذلك من النفع المتعدي؟ قال: وإذا كان الأمر كذلك، فالأفضل ما اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد من زهراتها.
ويبقى النظر فيمن حصل له شيء من الدنيا بغير تكسُّب منه كالميراث، وسهم الغنيمة، هل الأفضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البرّ، حتى لا يبقى منه شيء، أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي؟ قال: وهو على القسمين الأولين، ومقتضى ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حالة الكفاف، ولا يضره ما تجدد في ذلك إذا سلك هذه الطريقة. ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد، ممنوعة بالمشهور من أحوالهم. فإنهم كانوا على