إذ لم يَرُدَّ ردَّ الملائكة {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}[البقرة: ٣٢]. وقيل: جاء هذا تنبيهًا له، وتعليمًا لمن بعده، ولئلا يقتدي به أحد في تزكية نفسه، والعُجْب بحاله، فيهلك، وإنما أُلجىء موسى للخضر للتأديب، لا للتعليم.
وقوله:"بلى عبدنا خَضر" بلى بوزن على، وقد مر أنها تأتي جوابًا للنفي، وتصيره إثباتا، أي هو أعلم منك بما أعْلمتَه من الغيوب، وحوادث القدر، مما لا تعلم الأنبياء منه إلا ما أُعلموا به، كما قال سيدهم وصفوتهم، صلاة الله وسلامه عليه وعليهم، في هذا المقام:"إني لا أعلم إلا ما علمني ربي"، وإلا فلا ريب أن موسى، عليه الصلاة والسلام، أعلم بوظائف النبوة، وأمور الشريعة وسياسة الأمة، ولهذا قال الخضر: إنك على علم من علم الله، علَّمك، لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علَّمنيه، لا تعلمه. وفي رواية الكَشميهنِيّ: بل، بإسكان اللام، والتقدير: فأوحى الله إليه لا تطلق النفي، بل قل: خضرِ، وإنما قال: عبدُنا، وإن كان السياق يقتضي أن يقول: عبد الله، لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله تعالى، والإضافة فيه للتعظيم.
وقوله:"فإنك ستلقاه" إنما كان كذلك؛ لأن موسى لما سأل السبيل إليه، قال الله تعالى له: اطلبه على الساحل عند الصخرة، قال: يا ربَّ، كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتًا في مِكْتل، فحيث فقدته، فهو هناك. فقيل: أخذ سمكةً مملوحة، وقال لفتاه: إذا فقدت الحوتَ، فأخبرني.
قوله:"وكان يتَّبع"، بتشديد المثناة الفوقية، وقوله:"أثر الحوت في البحر" روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "فرجع موسى حتى أتى الصخرة، فوجد الحوت، فجعل موسى يقدم عصاه، يفرج بها عنه الماء، ويتبع الحوت، وجعل الحوت لا يَمَسُّ شيئًا من البحر إلاّ يبسَ حتى يصير صخرة، فجعل موسى يعجب من ذلك حتى انتهى إلى جزيرة في البحر، فلقي الخضر. وقوله: "فقال لموسى" فتاه، هو يُوشع بن نُون، فإنه كان يخدمه ويتبعه، ولذلك سماه فتاه، وزعم ابن العربي أن ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع، وكأنه أخذه من لفظ الفتى، وأنه خاص بالرقيق، وليس