للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العادة، فتكون ذاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، مرئيةً، وصفاُته متخيلةً غير مرئية.

والإِدراك لا يشترط فيه تحديق البصر، ولا قرب المسافة، ولا كون المرئي ظاهرًا على الأرض، ولا مدفونًا فيها، وإنما يشترط كونه موجودًا، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله تعالى عليه وسلم، بل جاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه، وأن الأنبياء لا تغيرهم الأرض، وتكون ثمرة اختلاف الصفات اختلاف الدلالات. كما قال بعض علماء التعبير: إن من رآه شيخًا فهو عامُ سلم، أو شابًا فهو عام حرب. ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله كما لو رآه أحد يأمر بقتل من لا يحل قتله، فإنّ ذلك يحمل على الصفة المتخيلة لا المرئية.

وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفةٍ مضادة لحاله، فإن رُؤي على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رُؤيا حقيقة. فإنَّ من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل. وقال النووي: هذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة، سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها، كما ذكره المازري.

قال في "الفتح": هذا الذي رده الشيخ جاء عن ابن سيرين إمام المعَبِّرين اعتباره، فقد أخرج البخاري عنه تعليقًا بعد قوله في الحديث "ولا يتمثل الشيطان بي" قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته. وصله إسماعيل بن إسحاق القاضي عن أيوب قال: كان محمد بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: لم تره، وسنده صحيح.

وأخرج الحاكم ما يؤيده عن عاصم بن كُليب عن أبيه قال: قلت لابن عباس: رأيتُ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم. قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن عليّ فشبهته به، قال: قد رأيته، وسنده جيد. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>