عصمته، ولذلك لم يسال موسى عن شيء من أمور الديانة، بل مشى معه ليشاهد منه ما اطلع به على منزلته في العلم الذي اختص به.
"وكيف تصبر"؟ استفهام عن سؤال تقديره: لِمَ قلتَ إني لا أصبر وأنا سأصبر؟ وقوله {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} قيل: استثنى في الصبر، فصبر، ولم يستثن في العصيان فعصاه، وفيه نظر. وكان المراد أنه صبر على اتباعه والمشي معه لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع. وقوله {فَانْطَلَقَا}[الكهف: ٧٤]، يمشيان، أي موسى والخضر. ولم يذكر فتى موسى، وهو يوشع؛ لأنه تابع غير مقصود بالأصالة. وقوله "فكلموهم" ضم يوشع معهما في الكلام لأهل السفينة، لأن المقام يقتضي كلام التابع، وقوله "فحملوهما" يقال فيه، ما قيل في "يمشيان"، ويحتمل أن يكون يوشع لم يركب معهما، لأنه لم يقع له ذكر بعد ذلك، لكن في رواية "فعرف الخضر فحملوهم" وهو يقتضي الجزم بركوبه معهما في السفينة، وقد مر من شأنه ما رواه الطبريُّ عن ابن عباس، وهو لو صح نصٌّ في أنه لم يركب معهما.
وقوله "بغير نَوْل" بفتح النون وسكون الواو، أي: أجرة، ولابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس "فناداهم خضر وبين لهم أن يعطى عن كل واحد ضعف ما حملوا به غيرهم، فقالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالًا في مكان مخوفٍ نخشى أن يكونوا لصوصًا، فقال: لأحملنَّهم، فإني أرى على وجوههم النور، فحملوهم بغير أجرة" وذكر النقاش أن أصحاب السفينة كانوا سبعةً بكل واحدٍ زمَانةٌ ليست في الآخر. وقوله "فجاء عُصفور" بضم أوله، وحكي فتحه، قيل: هو الصُّرَد، بضم المهملة وفتح الراء. وللخطيب: أنه الخطاف، قال الدَّمامِينيّ: سمي عصفورًا لأنه عصى وفرّ. وقوله "فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال له الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر".