للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى النَّسائي عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى: أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا، قال يقول: "ما علْمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما أنقصُ بمنقاري من جميع هذا البحر" وقد استشكل إطلاق النقص بالنسبة إلى علم الله تعالى، والجواب بأمور:

الأول: لفظ النقص ليس على ظاهره، لأن علم الله لا يدخله نقص، فقيل معناه: لم يأخذ، وهذا توجيه حسن، ويكون التشبيه واقعًا على الأخذ لا على المأخوذ منه.

الثاني: وهو أحسن من الأول، أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض؛ لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض، والمعلوم هو الذي يتبعض.

قلت: الأول أحسن؛ لأنه لا يلزم عليه نقص في علم الله تعالى ولا في معلوماته، وهذا يلزم عليه ثبوت النقص في معلوماته تعالى، وحاشا أن يحصل نقص في معلوماته تعالى، فإن المعلومات متعلقات العلم الصفة القديمة، فلا يحصل فيها نقص إلا بحصوله في المتعلق به الذي هو العلم.

الثالث: قال الإسماعيلى: المراد أن نقص العُصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى، وهو كما قيل:

ولا عيب فيهم غير أنَّ سيوفهم ... بهن فلولٌ من قراع الكتائب

الرابع: قيل: "إلا" بمعنى "ولا" أي: ولا كنقرة هذا العصفور. وقال القُرْطبيّ: من أطلق اللفظ هنا تجوزًا قصدُه التمسك والتعظيم، إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته، وقد وقع في رواية ابن خُرَيج بلفظ أحسن سياقًا من هذا، وأبعد إشكالًا فقال: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر" وهو تفسير اللفظ الذي وقع هنا، قاله في "الفتح": قلت: لا يظهر أنّ هذا الوجه أحسن من غيره لأن فيه إضافة شيء، وإن كان حقيرًا إلى علم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>