الخامس: ما قيل من أن هذا الطائر من الطيور التي تعلو مناقيرها بحيث لا يعلق بها ماء البتة. قلت: انظر ما بين التمثيل الصادر من المخلوق هنا، والصادر من الخالق فيما أخرجه مسلم في الحديث القُدُسيّ من قوله تعالى "لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيط إذا دخل البحر". فما في هذا الحديث الرباني هنا ظاهرٌ لا يوهم شيئًا في حقه تعالى يحتاج إلى توجيه، لان المخيط لا يأخذ من الماء شيئاً ما، والطير يأخذ شيئًا، وإن كان قليلًا جدًا.
وقوله "فعمد الخضر" بفتح الميم، كقصد زنة ومعنى، وقوله "فخرقتها لتغْرق أهلها" بضم المثناة الفوقية وكسر الراء، على الخطاب مضارع أغرق، أي لأن تغرق، وأهلها بالنصب على المفعولية، ولا ريب أن خرقها سبب لدخول الماء فيها، المفضي إلى غرق أهلها وفي رواية "ليَغْرق أهلُها" بفتح المثناة التحتية وفتح الراء، على الغيب مضارع غرق، وأهلها بالرفع على الفاعلية وقوله "لا تؤاخذني بما نسيتُ" أي بالذي نسيته، أو بنسياني، أو بشيء نسيته، يعني وصيته له بأن لا يعترض عليه، وهو اعتذار بالنسيان، أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها زاد في رواية أبوَي ذَرٍّ والوقْت:"ولا ترهقني من أمري عُسراً" أي: لا تُغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسيّ، فإن ذلك يُعْسِر عليّ متابعتك.
وقوله "فكانت الأُولى من موسى نسيانًا" وفي رواية التفسير "كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثالثة عمدًا" وروى ابن مرْدَويه عن ابن عباس مرفوعًا، قال: الأولى نسيانٌ والثانية عُذرٌ والثالثة فِراق. وروى الفراء عن أُبيّ بن كعب قال: لم ينس موسى، ولكنه من معاريض الكلام، وإسناده ضعيف. والأول هو المعتمد. ولو كان هذا ثابتًا لاعتذر موسى عن الضمانية وعن الثالثة بنحو ذلك.