من صيغ المبالغة. وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قط، والزكية التي أذنبت ثم استغفرت، ولذا اختار قراءة التخفيف، فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم. وزعم قوم أنه كان بالغًا يعمل بالفساد، واحتجوا بقوله بغير نفس؛ لأن القصاص إنما يكون في حق البالغ، ولم يرها أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسًا فتقاد بها. نبه به على أن القتل إنما يُباح حدًا أو قصاصًا، وكلا الأمرين منتف، وإنما أطلق موسى ذلك على حسب ظاهر حال الغلام.
والهمزة في "أقتلت" ليست للاستفهام الحقيقي، فهي كهي في قوله تعالى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى: ٦] وكان قتل الغلام في "أبُلَّة" بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء، مدينة قرب بصرة وعبادان. وقوله "قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا" بزيادة "لك" في هذه المرة، زيادة في المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الثبات والصبر، لمّا تكرر منه الاشمئزاز والاستكثار، ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستكثار ثاني مرة. وقوله: وقال ابن عُيينة: وهذا أوكد، واستدل عليه بزِيادة "لك" في المرة الثانية وقد قال له فيِ المرة الأولى: "لقد جئت شيئاً إمرًا" وقال له في الثانية: "لقد جئت شيئاً نكرًا" قال مجاهد: شيئًا إمرًا أي منكرًا، وقال قتادة: أي عجبًا. وقال أبو صخر: أي عظيمًا. وقال أبو عبيدة: إمرًا أي: داهية، ونكرًا أي عظيمًا.
واختلف في أيهما أبلغ، فقيل "إمرًا" أبلغ من "نكرًا" لأنه قالها بسبب الخرق الذي يفضي إلى هلاك عدة أنفس، وتلك بسبب نفس واحدة. وقيل " نكرًا" أبلغ، لكون الضرر فيها ناجزًا بخلاف "إمرًا" لكون الضرر فيها متوقعًا، ويؤيد ذلك أنه قال في "نكرا": "ألم أقل لك" ولم يقلها في "إمرًا" وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس أن موسى لما رأى خرق السفينة امتلأ غضبًا، وشد ثيابه، وقال: أردت إهلاكهم، ستعلم أنك أول هالك، فقال له يوشع: ألا تذكر العُهدة؟ فأقبل عليه الخضر فقال له: "ألم أقل