ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء، مما ينفع أو يضر، فلا مدخل للعقل في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه، بل يجب على الخلق الرضى والتسليم، فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصرٌ، فلا يتوجه على حكمه كم ولا كيف، كما لا يتوجه عليه في وجوده أين ولا حيث، وإن العقل لا يُحسِّن ولا يقبِّح وإن ذلك راجع إلى الشرع، فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن، وما قبحه بالذم فهو قبيح، وإن لله تعالى فيما يقضيه حكمًا وأسرارًا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه، ولا حكم عقل يتوجه إليه، بل بحسب ما سبق في علمه، ونافذ حكمه، فما أطلع الخلق عليه من تلك الأسرار عرف، وإلا فالعقل عنده واقف، فليحذر المرء من الاعتراض فإن مآل ذلك إلى الخيبة.
قال ولننبه هنا على مغلطتين:
الأولى: وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى، تمسكًا بهذه القصة، وبما اشتملت عليه، وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة، ولم ينظر فيما خص الله به موسى عليه السلام من الرسالة، وسماع كلامه وإعطائه التَّوراة، فيها علم كل شيء، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته، ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى عليه السلام. وأدلة ذلك في القرآن كثيرة، ويكفي من ذلك قوله تعالى:{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}[الأعراف: ١٤٤] قال: والخضر، وإن كان نبيًا، فليس برسول اتفاقًا، والرسول أفضل من نبي ليس برسول. قلت: هذا الاتفاق غير صحيح، فالخضر قيل: إنه رسول، وقد مر لك ذلك عند قوله "أعلم منك"، ثم قال: ولو تنزلنا على أنه رسول، فرسالة موسى أعظم، وأمته أكثر، فهو أفضل، وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل، وموسى أفضلهم. وإن قلنا إن الخضر ليس بنبيّ، بل وليّ، فالنبيُّ أفضل من الولي، وهوأمرمقطوع به عقلًا ونقلًا، والصائر إلى خلافه كافر؛ لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة. قال: وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانًا لموسى، حتى ليعتبر.