للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعرف بهذا أن حكم المَذْي حكم البوك وغيره من نواقض الوضوء، لا أنه يوجب الوضوء بمجرد خروجه.

واستدل به على وجوب الوضوء على من به سلس المذي، للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وتعقَّبه ابن دقيق العيد بأنَّ الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد، بخلاف صاحب السلس، فإنه ينشأ عن علة في الجسد، ويمكن أن يقال: أمر الشارع بالوضوء منه، ولم يستفصل فدل على عموم الحكم.

وقوله "واغسل ذكرك" وقع في رواية البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله، وفي العُمدة نسبة عكس ذلك للبخاري، لكن الواو لا ترتّب، فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيليّ، فيجوز تقديم غسله على الوضوء، وهو أوْلى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه، يشترط أن يكون ذلك بحائل، واستدل به ابن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها؛ لأن ظاهره يعيّن الغُسل والمُعين لا يقع الامتثال إلا به، وهذا هو مذهب المالكية، وهو ما صححه النَّوويّ في شرحِ مسلم، وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار إلحاقًا له بالبول، وحملاً للأمر بغسله على الاستحباب، أو على أنه خُرِّج مخْرج الغالب، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعية.

واستدل به المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل، عملاً بالحقيقة، لكن الجمهور نظروا إلى المعنى، فإن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج، فلا تجب المجاوزة إلى غير محله، ويؤيده ما عند الإسماعيلي في رواية فقال: "توضأ واغسلْه" فأعاد الضمير على المذي. ونظير هذا قوله "من مس ذكره فليتوضأ" فإن النقض لا يتوقف على مسّ جميعه.

قلت: من أين لهم أن الضمير في رواية الإسماعيليّ راجع إلى المذيّ؟ فلم لا يكون راجعًا إلى الذكر، حملًا للحديث على الرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>