وادّعى المهلّب أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان حبس عليهنَّ بيوتهنَّ، ثم استدل به على أن مَنْ حبس دارًا جاز له أن يسكن منها في موضع، وضعفّه ابن المنير بمنع أصل الدعوى، ثم على التنزل لا يوافق ذلك مذهبه إلا إن صرح بالاستثناء، ومن أين له ذلك؟
وقوله:"على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجته" أي لأجل حاجته، أو وقت حاجته. والمَقْدِس -بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة. ويضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة- والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى صفة كمسجد الجامع.
وقوله:"على لَبِنَتَيْن" ولابن خُزيمة: "فأشرفتُ على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو على خلائه"، وفي رواية له:"فرأيته يقضي حاجته محجوبًا عليه بلبن". وللحكيم الترمذي بسند صحيح:"فرأيته في كنيف" -بفتح الكاف بوزن عظيم- وانتفى بهذا إيراد مَنْ قال ممن يرى الجواز مطلقًا: يحتمل أن يكون رآه في الفضاء.
وكونه على لبنتين لا يُدلُّ على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ويرد على هذا الاحتمال أيضًا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به.
ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة، وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية، فحانت منه التفاتةٌ كما للبيهقي عن ابن عمر.
نعم لما اتَّفقت له رؤيته في تلك الحالة من غير قصد أحب أن لا يُخلي ذلك من فائدة، فحفظ هذا الحكم الشرعي، وكأنه إنما رآه من جهة ظهره، حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور.
ودلَّ ذلك على شدة حرص هذا الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله